فصل: مسألة جنين النصرانية يطرحه المسلم فيستهل صارخا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة النفر يجرحون الرجل فيحمل مجروحا فيموت:

وقال في النفر يجرحون الرجل فيُحمل مجروحا فيموت فتجب القسامة عليهم: إنهم لو أقروا بقتله أجمعون لم يكن لهم أن يقتلوا منهم أحدا حتى يقسموا على أيهم أحبوا فقط، فيقتلونه، ولا يكون لهم وسائرهم بالإقرار، قال: وكذلك إذا لم يقر منهم إلا واحد قال: أنا قتلته لم يكن لهم أن يقتلوه حتى يقسموا عليه، ولا أن يقسموا على غيره، ويقتلوا المقر بإقراره، وليس لهم أن يقسموا إلا على واحد منهم فيقتلونه كما لو لم يقروا أو لم يقر أحد منهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

.مسألة أيجوز للإمام أن يعفو عن القاتل:

وسئل على المسلم يقتل المسلم عمدا الذي لا ولي له إلا المسلمون أيجوز للإمام أن يعفو عن القاتل؟ قال: لا ينبغي له أن يهدر دم المسلم، ولكن يستقيد منه، قيل فالنصراني يقتل النصراني عمدا الذي لا ولي له إلا المسلمون ثم يسلم القاتل أترى أن يقتل به؟ قال: العفو عن مثل هذا أحب إلي من قتله، وذلك أن حرمته إذا أسلم أعظم من حرمة الكافر المقتول، قال: ولو كان للمقتول أولياء كان لهم القود؛ لأنهما كانا على دين واحد يوم قتله، فإذا صار أمره إلى الإمام فالعفو عندي أعجب إلي وإن كان القود قد لزمه، قيل له أفيعفو على أخذ الدية للمسلمين أو بغير دية.
قال محمد بن رشد: لم يجب عما سأله عنه من العفو الذي اختاره هل يكون على أخذ الدية للمسلمين أو بغير دية، والجواب عن ذلك على قوله أن يعفو عندي بغير دية للمسلمين، والدليل على أن ذلك مذهبه في هذه الرواية تفرقته فيها بين المسلم الذي يقتل المسلم ولا ولي له إلا المسلمون وبين النصراني يقتل النصراني ثم يسلم القاتل ولا ولي للمقتول إلا المسلمون، فقال في المسلم يقتل المسلم الذي لا ولي له إلا المسلمون إنه لا يجوز للإمام أن يعفو عن القاتل، وقال في النصراني يقتل النصراني ثم يسلم القاتل ولا ولي للمقتول إلا المسلمون: العفو أحب إليه فيه، فلو كان لا يجوز له أن يعفو عنه إلا على الدية لكان ذلك كالمسلم يقتل المسلم سواء؛ إذ ليس للإمام أن يعفو عنه إلا على دية يأخذها منه للمسلمين إن رأى ذلك على وجه نظر لهم، وعلى ما تقدم من قوله في رواية عيسى عنه في أول سماعه لا يجوز له أن يعفو عنه إلا على الدية يأخذها منه إن كان له مال، وقد مضى بيان هذا هنالك وبالله التوفيق.

.مسألة ارتحل عن البلدة التي وجبت فيها الدية على الجاني قبل فرضها:

وسألته عن عاقلة الرجل من أهل المدينة يقع عليهم عقله فيرتحل منهم رجال من أهل المدينة إلى مصر بعد وجوب الدية عليهم وقبل أن تقسم، أو يرتحل رجال من أهل مصر من قبيلتهم وقد وقعت الدية على أهل المدينة قبل ارتحال المصريين إليهم ولم يقسم بعد عليهم، قال: لا ينظر إلى ارتحال بعضهم إلى بعض قبل أن يقسم عليهم، فإنا نقول: إنما تجب الدية على من يوجد بالبلد الذي تجب على أهله يوم يقسم، وليس يوم يقع الحكم على العاقلة بغرم الدية. قلت: وما أسقطها على المرتحل وقد وجبت على عاقلته وأهل بلده قبل أن يرتحل عنهم؟ فقال: لأنها ليست بدين واجب عليه، ألا ترى أن الغرماء لا يحاصهم طالب الدية وهم يُبَدَّوْنَ عليه؟ قلت: أرأيت من مات من بعدما تقسم الدية ويعلم ما وجب عليه أيؤخذ ذلك من رأس ماله؟ قال: لا أرى ذلك على ورثته ولا في ماله واجبا؛ لأنه ليس يجب كوجوب الدين فيتبع به بعد موته، قلت: ولم لا نجعله في ماله بعد إخراج دينه كما تفرضها على الحي الذي لا دين عليه وقد كانت وجبت عليه وعرف ما كان يلزمه من الغرم مع عاقلته؟ قال: لا أرى أن تؤخذ من ماله، ولكن يرد غرم ذلك إلى بقية العاقلة، قلت: أيقسم عليهم أجمعين أم يجزأ على أهل الغنى منهم، ويرى أن يؤخذ ذلك الجزء الذي يقتضي من عام قابل؟ فقال: أعدل ذلك ألا يؤخر لقابل من الجزء الأول بشيء، ولكن يجبر غرم ذلك على أهل الغنى من العاقلة.
قال محمد بن رشد: أما من ارتحل عن البلدة التي وجبت فيها الدية على الجاني قبل فرضها فلا اختلاف أحفظه في أنه لا شيء على المرتحل قبل فرضها إلا أن يرتحل فرارا منها فيلحقه حكمها حيث كان، وذلك يروى عن ابن القاسم وغيره، وكذلك من مات قبل فرضها لم يلزمه شيء من حكمها، ومن ارتحل إلى ذلك البلد من قبيل الجاني قبل فرض الدية لزمه حكمها، وإن كان ارتحاله بعد وجوبها، فإن ارتحل إليه بعد فرضها لم يلزمه شيء من حكمها؛ لأن الحكم في الدية أن تفرض على من كان في بلد الجاني من قبيلته يوم فرضها حيا بالغا ذكرا عاقلا غير مجنون، وأما إذا وضعت ووظفت فلا يسقط عمن غاب أو ارتحل ما صار عليه منها، ويؤخذ به حيثما كان.
واختلف إن أعدم على قولين، أحدهما: أنها تسقط عنه بالعدم ولا يحاص بها الغرماء ويرد ذلك على بقية الغرماء العاقلة أو يجزأ على الأغنياء منهم على ما اختاره ابن القاسم في هذه الرواية، والثاني أنه يتبع بما لزمه منها في ذمته ولا يرجع ذلك على العاقلة، وهو مذهب ابن الماجشون وسحنون.
واختلف إن مات على ثلاثة أقوال، أحدها قوله في هذه الرواية: إنها لا تؤخذ من ماله وإن كان له مال، ويرد غرم ذلك على بقية العاقلة أو يجزأ على أهل الغنى والوفر منهم، والثاني: أنها تؤخذ من ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال أو كان له مال وعليه دين يستغرق ماله سقطت، ولم يحاص بها الغرماء، وجزئت على بقية العاقلة أو على أهل الغنى منهم، والثالث: قول ابن الماجشون وسحنون أن الدية إذا فرضت على العاقلة فقد وجبت على من فرضت عليه كثبات الدين لا يسقط بموت ولا فلس، فيتبع بها العديم في ذمته ويحاص لها الغرماء في الموت والفلس، ولا يؤتنف ذلك في حكم بعدم أحد ممن فرض عليه ولا بموته ولا بيسر من لم يفرض عليه شيء منها لعدمه وبالله التوفيق.

.مسألة وجبت لهم القسامة على نفر فأقسموا على أحد منهم ثم ادعوا أنه شبه لهم:

ومن كتاب يشتري الدور والمزارع:
قال: وسألته عن أولياء مقتول وجبت لهم القسامة على نفر فأقسموا على أحد منهم ثم ادعوا أنه شُبِّهَ لهم، وأنهم أيقنوا أن أحد الباقين كان هو الذي تولى أشد ما كان بصاحبهم من الجراحات، وأرادوا أن يقسموا عليه ويتركوا الأول أذلك لهم؟ فقال: أما الثاني فلا سبيل إليه بعد تركهم إياه ولا حين خيروا، وأما الأول فإن كانوا أبروه حين زعموا أن الآخر بصاحبهم فلا سبيل لهم إليه أيضا ولا يقسموا على واحد منهم وإن كانوا إنما أرادوا أن ينتقلوا إلى الآخر غضبا عليه وندامة على فوت قتله ولم يبروا الأول وأوقفوا أمره لينظروا، هل يمكنون مما دعوا إليه أم لا؛ فلهم أن يقتلوه بقسامتهم إن أحبوا؟
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله إن تبين أحد الأمرين من إرادتهم بإفصاح منهم به، وأما إن أشكل ذلك ووقع التداعي بينهم فيه فالقول قولهم مع أيمانهم أنهم لم يبروا الأول ويكون لهم أن يقتلوه بقسامتهم، وبالله التوفيق.

.مسألة يقتل الرجلين عمدا فيثبت ذلك عليه فيصالح أولياء أحد القتيلين ويأبى الآخر:

وسئل عن الرجل يقتل الرجلين عمدا فيثبت ذلك عليه فيصالح أولياء أحد القتيلين على الدية وعفوا عن دمه، وأبى أولياء الآخر إلا أن يستقيدوا، فقال: القود لمن أحب أخذه، ولا يمنع من قتله الولي الذي لم يرد إلا القتل من أجل ما رضي به الذين صالحوا عن صاحبهم، ولكن إن استقادوا بطل صلح الذين صالحوا؛ لأنهم إنما صالحهم للنجاة من القتل، فإذا أبى الآخرون إلا القود فلا يجمع عليه القتل وذهاب المال في أمر لم يدخل عليه فيه مرفق.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة هاهنا في بعض الروايات وهي ثابتة في هذا الرسم بعينه، من كتاب الدعوى والصلح، وقد مضى هناك الكلام عليها فلا معنى لإعادته.

.مسألة العبد يقتل أباه الحر عمدا فيسلمه سيده إلى أولياء المقتول فيستحيوه:

وسئل عن العبد يقتل أباه الحر عمدا فيسلمه سيده إلى أولياء المقتول وهم إخوة العبد القاتل أو ولده فيستحيوه أيعتق عليهم؟ قال: لا يعتق عليهم، ولكن يباع فيعطون ثمنه، قيل له فإن جرحه عمدا فأسلمه إليه سيده أيسترقه أبوه؟ فقال: بل يعتق عليه سواء جرحه عمدا أو خطأ، قلت فإن قتله خطأ فأسلمه إلى وارثه وهو ممن إذا ملكه عتق عليه؟ قال: يعتق عليه لأنه يقدر في الخطأ ولا يقدر في العمد، قلت له: أفيرث إذا أعتق؟ قال: لا، ألا ترى إن ملكه قد كان بيد سيده حتى أسلمه بعد موت المقتول، قلت:
أرأيت إن لم يكن للمقتول مال؟ وأنتم إنما رأيتم أنه إذا أسلم في العمد لم يعتق لما مضى من السنة أنه «لا يرث قاتل مَن قتل» وقال مالك: يرث من المال في الخطأ ولا يرث في العمد ولا من المال، قلت: فإذا قتل عمدا فأسلم إلى من إذا ملكه عتق عليه فإن عتق فكأنه قد ورث؛ لأن فك رقه إنما كان فيما ملك عنه المقتول، فإذا صار يعتق فيه فكأنه قد ورث منه قلت: فالذي يقتل خطأ ولا مال للمقتول فأسلم إلى من إذا ملكه عتق عليه فقلت يعتق في الخطأ أفما تراه الآن قد عتق في دية المقتول وهو لا يرث من الدية وإن كان القتل خطأ؟ ألا ترى أن المقتول لم يورث شيئا عن دية فلما أسلم هذا العبد... للقاتل صار هو دية المقتول؟ فإذا أعتق على الذي أسلم إليه إنما هو كمن ورث دية من قتل خطأ، قال سحنون: وكذلك أخبرني ابن القاسم في العبد يقتل ابنه الحر كما فعل المدلجي بابنه فإن الجناية في رقبته، قلت لابن القاسم: فإن أسلمه مولاه أيعتق عليه؟ قال: لا، ولكن يباع فيكون ثمنه لورثة ابنه قلت له: فإن جرح ابنه فأسلمه سيده لجنايته؟ قال: يعتق لأنه حكم لأن سيده كان مخيرا، قلت وكذلك لو أنه قتل ابنه خطأ فأسلم إلى ورثته ابنه، قال: كذلك يعتق عليهم، وكل من فعل هذا فأسلم إلى بعض من إذا ملكه عتق عليه، فهو يعتق؛ لأن ذلك حكم وقع؛ لأن سيده كان مخيرا في حبسه ودفع الأرش، فلما كان دفعه إلى أولياء المقتول حكما عليهم بأخذه فإذا أخذوه حكم عليهم بحريته.
قال محمد بن رشد: إنما لم يعتق العبد على ورثة أبيه الحر إذا قتله عمدا فأسلم إليهم وهو ممن يعتق عليهم؛ لأنه لم يجب لهم رقبة العبد، وإنما وجب لهم قتله بأبيهم إن كانوا ولده، أو بأخيهم إن كانوا إخوته، فإن لم يريدوا أن يقتلوه بيع لهم وأعطوا ثمنه، وقال إنه يعتق عليهم إن كان قتله خطأ من أجل أن رقبة العبد هي الواجبة لهم؛ إذ لا قصاص في الخطأ، فإن أخذوها في الجناية على أبيهم عتق عليهم، فهذا هو وجه تفرقته بين العمد والخطأ في القتل، ألا ترى أنه لما كانت الجراح لا يجب فيها دم العبد، وإنما تجب فيها للمجروح رقبته إلا أن يفتكها سيده بدية الجرح استوى في ذلك العمد والخطأ، وتفرقته بين العمد والخطأ بقوله؛ لأنه يعذر في الخطأ ولا يعذر في العمد يرجع إلى هذا الذي ذكرناه من الفرق بين العمد والخطأ في القتل؛ لأن قوله: لأنه يعذر في الخطأ ولا يعذر في العمد إنما معناه أنه في القتل الخطأ يعذر فلا يقاد منه، فيجب لهم فيه رقبة العبد، وفي العمد لا يعذر فيقاد منه فلا يجب لهم فيه إلا دم العبد، ولو كانت العلة في أنه يعتق في الخطأ أنه يعذر فيه، وفي أنه لا يعتق في العمد أنه لا يعذر فيه لافترق العمد من الخطأ في الجراح أيضا.
ولم يبين يحيى بن يحيى هذا الفرق وظن أن العلة في أنه لم يعتق عليه في العمد من جهة أن القاتل عمدا لا يرث من قتل، فاعترض على ابن القاسم بقتل الخطأ إذا لم يكن للمقتول مال بقوله: قلت أرأيت إن لم يكن للمقتول مال، وأنتم إنما رأيتم أنه إذا أسلم في العمد لم يعتق لما مضى من السنة أنه «لا يرث قاتل من قتل» إلى قوله: إنما هو كمن ورث دية من قتل خطأ، فلم يجبه على اعتراضه بشيء، والجواب عن ذلك أن نقول له: إنما لم نقل إنه لا يعتق من أجل ما مضى من السنة أنه «لا يرث قاتل من قتل» وإنما قلنا ذلك من أجل أنه لا يجب لهم رقبة العبد، وإنما يجب لهم دمه، وقول سحنون وكذلك أخبرني ابن القاسم في العبد يقتل ابنه الحر كما فعل المدلجي بابنه فإن الجناية في رقبته يريد أن القتل كان يجب عليه لأنه من العمد؛ لأن القود صرف عنه في السنة فرأى أن يعتق عليهم العبد إذا أسلم إليهم لأنهم كأنهم إنما وجب لهم دمه لا رقبته إذ كان القياس أن يقتل لولا ما جاء فيه من السنة في تغليظ الدية وترك القود، وهذا من ابن القاسم في هذا الموضع استحسان، وكان القياس أن يعتق عليه لأنه أشبه بالخطأ منه بالعمد، لارتفاع القود فيه.
وقد قال محمد بن مسلمة تفسير قول ابن القاسم إن الجناية في رقبته أن سيده مخير في أن يفتكه أو يسلمه، فإن اختار فكه افتكه بدية التغليظ إن كان من أهل الإبل فعليه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وإن كان من أهل الورق أو الذهب جبر عليه ما بين دية الخطأ من الإبل وبين دية التغليظ يغرمه مع الورثة من الذهب أو الورق، فإن أسلمه لم يعتق عليه في قول ابن القاسم، وفي قول سحنون وأشهب يعتق كأنه من الخطأ عندهما ليس من العمد إذا كان الورثة ممن يعتق عليهم، وإن كان فيهم من يعتق عليه وفيهم من لا يعتق عليه عتق نصيب من لزمه عتقه منهم ورق سائره للورثة، وهو قول المغيرة في التغليظ والعتق وقول محمد بن سحنون إن ما فعل المدلجي بابنه من العمد عند ابن القاسم، ولذلك لم ير أن يعتق عليه، ومن الخطأ عند أشهب وسحنون فلذلك لا يعتق عليهم عندهما فيه نظر إذ لا اختلاف بين ابن القاسم وغيره في أنه عمد لا أنه من العمد الذي قد أحكمت السنة صرف القود فيه وتغليظ الدية فراعى ابن القاسم الأهل في وجوب القصاص فيه استحسانا، وراعى أشهب وسحنون ما أحكمته السنة من أنه لا قصاص فيه لأنه إذا لم يكن فيه قصاص وجب لهم ملكه إذا أسلم إليهم فوجب عتقه عليهم وهو القياس أنه لا فرق في وجوب ملكه إذا أسلم إليهم بينه وبين الخطأ المحض، وهو القياس وبالله التوفيق.

.مسألة من لا وارث له إلا جماعة المسلمين يقتل أحدهم فلا يشهد على قتله إلا رجل واحد:

ومن كتاب المكاتب:
قال: وسألته عن المنبوذ أو من لا وارث له إلا جماعة المسلمين مثل مسألة أهل الذمة وأشباههم يقتل أحدهم خطأ أو عمدا فلا يشهد على قتله إلا رجل واحد أيقسم على ذمه من قام بذلك من المسلمين أم هل ينبغي للإمام أن يأمر من يقوم به ويستحقه بالقسامة؟ فقال: لا يستحق دم من لا وراث له إلا جماعة المسلمين إلا بشهيدي عدل لا يستحق بالقسامة.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إذ لا يحلف أحد عن أحد ولو كان للمقتول خطأ وارث معلوم مع جماعة المسلمين مثل الزوجة أو الابنة أو الأخت أو الأم لحلف الوارث المعلوم خمسين يمينا واستحق حقه من الدية وبطل الباقي منها وبالله التوفيق.

.مسألة جنين النصرانية يطرحه المسلم فيستهل صارخا:

وسئل عن جنين النصرانية يطرحه المسلم فيستهل صارخا أيكون فيه القسامة؟ قال: لا قسامة لليهود ولا للنصارى ولا تجب دياتهم إلا بالبينة.
قال محمد بن رشد: قوله ولا تجب دياتهم إلا بالبينات ظاهر أن دية الجنين تبطل إذا استهل صارخا وإن كانت البينة على ضرب بطن أمه، وأن النصراني إذا قتل فأتى ولاته بشاهد من المسلمين عدل أنهم لا يحلفون مع شاهدهم، ويحلف المشهود عليه خمسين يمينا ويبرأ من الدية خلاف ما في المدونة من أنهم يحلفون مع شاهدهم يمينا واحدة ويستحقون ديته ويحلفون في الجنين إذا استهل صارخا يمينا واحدة لمات من ذلك ويستحقون ديته، ولو شهد على مذهبه في المدونة على الضرب شاهد واحد لحلفوا على الضرب وعلى أنه مات منه يمينا واحدة أيضا وخلاف ما في سماع سحنون بعد هذا من أن النصراني إذا ضرب فقال: فلان قتلني ثم مات لم يكن فيه شيء لا بقسامة ولا بيمين إلا أن يقوم شاهد واحد فيحلف ولاته يمينا واحدة ويأخذوا الدية، قال: وإلى هذا رجع، وهو خلاف لما في كتب المسائل، فيحتمل أن يكون الذي في كتب المسائل أنهم لا يحلفون مع شاهدهم ويحلف المشهود عليه خمسين يمينا مثل قول أشهب وظاهر هذه الرواية، ويضرب المشهود عليه مائة ويسجن سنة عند أشهب حلف أو نكل وعند ابن القاسم وإن غرم الدية بيمين أولياء المقتول، ولم ير ابن الماجشون ضرب مائة وسجن سنة إلا على من أشاطت القسامة بدمه فعفي عنه أو أقسم على غيره فترك هو، والمغيرة يقول: إنهم يحلفون مع شاهدهم خمسين يمينا ويستحقون ديته وهو قول ثالث في المسألة وبالله التوفيق.

.مسألة شهد رجل عدل على جرح رجل فمات من ذلك الجرح:

قلت: فجنين الحرة المسلمة يطرح فيستهل ويشهد على الاستهلال امرأتا عدل ولا يشهد على ضربها إلا رجل واحد عدل أتجب القسامة لأوليائه بشهادة واحد على الضرب؟ قال: لا وكذلك لو شهد رجل عدل على جرح رجل فمات من ذلك الجرح لم تجب فيه قسامة وإن صح المجروح حلف مع شاهده واقتص.
قال محمد بن رشد: قوله إنه لا قسامة مع الشاهد الواحد على الجرح خلاف نص قوله في المدونة، وفي نوازل سحنون بعد هذا القولان جميعا، فعلى القول بأنه يكون في ذلك القسامة يحلفون لقد جرحه ولقد مات من جرحه، ولا يحلفون مع الشاهدين على الجرح إلا لقد مات من ذلك الجرح، وأما مع الشاهد على القتل فيحلفون لقد قتله خاصة، فتفترق الثلاثة الوجوه في صفة الأيمان، وتختلف أيضا في القسامة مع الشاهد الواحد على إقرار القاتل بالقتل عمدا، فقال أشهب في ذلك القسامة، ولابن القاسم في كتاب ابن المواز أنه لا قسامة في ذلك، ومثله في آخر سماع سحنون، وهو ظاهر ما في المدونة، إلا أن سحنون أصلح ما في المدونة ورده إلى مثل قول أشهب لأن ابن القاسم قال فيها: وهذا عندي مخالف للدم، زاد سحنون في ذلك دم الخطأ على سبيل التفسير لقوله، وذلك خلاف المنصوص له في كتاب ابن المواز من أن القسامة لا تكون مع الشاهد الواحد على إقرار القاتل بالقتل في العمد، وإذا قاله في العمد فأحرى أن يقوله في الخطأ، وقد اختلف أيضا قوله في القسامة مع الشاهد الواحد على إقرار القاتل بقتل الخطأ، وقع اختلاف قوله في ذلك بعد هذا في سماع سحنون، وإذا قال بالقسامة مع الشاهد الواحد في قتل الخطأ فأحرى أن يقول ذلك في العمد.
فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال؛ أحدها: إيجاب القسامة مع الشاهد الواحد على إقرار القاتل بالقتل عمدا أو خطأ، والثاني: لا قسامة في ذلك لا في العمد ولا في الخطأ، والثالث: الفرق بين العمد والخطأ، وإلى هذا ذهب سحنون وعليه أصلح ما في المدونة، وهو الأظهر من الأقوال إذ قد قيل إن إقرار القاتل بالقتل خطأ ليس بلوث يوجب القسامة، فكيف إذا لم يثبت قوله وإنما شهد به شاهد واحد، وأما القسامة مع الشاهد على القتل أو الشاهدين على الجرح أو على قول المقتول دمي عند فلان فلا اختلاف في المذهب في وجوب القسامة بذلك في العمد والخطأ، وقد مضى بعض هذا في أول رسم من سماع عيسى.
وأما قوله: وإن صح المجروح حلف مع شاهده ففي ذلك ثلاثة أقوال، أحدها: هذا وهو قوله في كتاب الأقضية من المدونة. والثاني: أنه لا يقتص في الجراح مع الشاهد الواحد وهو قوله في كتاب الشهادات منها، وكل جرح لا قصاص فيه فإنما هو مال فلذلك جازت فيه اليمين مع الشاهد، والثالث: الفرق بين صغار الجراح وكبارها، وهو قول سحنون ومذهب ابن الماجشون وبالله التوفيق.

.مسألة يجرحان رجلا أحدهما عمدا والآخر خطأ فتقوم عليهما البينة بذلك فيموت المجروح:

وسألته عن الرجلين يجرحان رجلا يجرحه أحدهما عمدا والآخر خطأ فتقوم عليهما البينة بذلك فيموت المجروح، قال: يخير الأولياء فإن شاءوا أقسموا على الجارح عمدا فقتلوه وأخذوا من الجارح خطأ عقل الجرح الذي جنى، وإن شاءوا أقسموا على الجارح خطأ وأخذوا الدية تامة من عاقلته واستقادوا من الجارح عمدا مثل الجرح الذي بصاحبهم، وليس لهم أن يقسموا عليهما فيستقيدوا من الجارح عمدا ويأخذوا الدية من عاقلة الجارح خطأ ولكنهم يخيرون فيما فسرت لك.
قلت: فإن لم يثبت الجرحان على الرجلين إلا أن الميت ادعى أن فلانا جرحه عمدا وأن فلانا جرحه خطأ بجرحين كانا به؟ فقال: أمره فيما يدعي عند موته مثل الذي تثبته البينة من أمر جرحيه- فيما فسرت لك سوى إن أقسموا على الجارح عمدا قتلوه وأخذوا عقل الجرح خطأ، وإن أقسموا على الجارح خطأ أخذوا الدية من عاقلته واقتصوا من الجارح عمدا بمثل جرحه.
قال محمد بن رشد: أما إذا قامت البينة على الجرحين فقوله إن الأولياء مخيرون بين أن يقسموا على الجارح عمدا فيقتلوه ويأخذوا من الجارح خطأ عقل الجرح الذي جنى، وبين أن يقسموا على الجارح خطأ فيأخذوا الدية من عاقلته ويقتصوا من الجرح صحيح على أصل ابن القاسم وروايته عن مالك في أن من قطع يد رجل عمدا فنزا فيه فمات أن الأولياء مخيرون بين أن يقسموا فيقتلوه، أو لا يقسموا فيستقيدوا منه بقطع يده، ويأتي فيها على قياس قول أشهب في أنه ليس للولاة أن يقتصوا منه بقطع يده إلا باختياره لأن الجناية قد عادت نفسا بما قاله في سماع أبي زيد أنهم إن أقسموا على الذي ضربه عمدا قتل به ولا شيء على الآخر، وإن أقسموا على الذي ضربه خطأ كانت عليه الدية كاملة يريد على العاقلة، وبرئ الآخر، وأما إذا لم تكن بينة على الجرحين وإنما كان ذلك بدعوى من الميت فقوله: إن ذلك بمنزلة البينة على الجرحين مخالف للأصول؛ لأن الجراح لا تستحق بالقسامة منها في العمد، ولا الدية في الخطأ، وهو نص قوله في المدونة إن الجراح ليس فيها قسامة، والصحيح فيه ألا سبيل إلى القصاص من الجرح ولا إلى أخذ الدية فيه، وإنما لهم الخيار في أن يقسموا على من أحبوا فإن أقسموا على المتعمد قتلوه ولم يكن على الآخر شيء ولا على عاقلته وإن أقسموا على المخطئ أخذوا الدية من عاقلته ولم يكن على الآخر شيء لأنه لا تكون قسامة في جرح فيستحقون بها أرشه أو القود منه بجرح صاحبهم، قاله محمد بن المواز، وعاب رواية يحيى هذه وعابها أيضا يحيى بن يحيى، ولو شهد على كل واحد من الجرحين شاهد واحد لكان الحكم في ذلك على ما اخترناه وصححناه في الوجهين المتقدمين أن يكون الأولياء مخيرين، فإن أقسموا مع الشاهد على جارح الخطأ استحقوا الدية على عاقلته ولم يكن لهم على جارح العمد شيء إذ لا يقتص باليمين مع الشاهد إلا المجروح وأما ورثته فلا وإن أقسموا على جارح العمد قتلوه بقسامتهم وحلفوا مع شاهدهم على الجرح الخطأ فاستحقوا أرشه لأنه مال من الأموال كدين ثبت للميت بشاهد واحد فيستحقونه مع أيمانهم مع شهادته.

.مسألة يجرح الرجل عمدا فيصالحه ثم ينزى في جرحه فيموت:

قال: وسألته عن الرجل يجرح الرجل عمدا فيصالحه على شيء غرمه ثم ينزى في جرحه فيموت فيقول وليه: إنما كان صالحك في الجراح ولم يصالحك في دمه قال: أرى القود يجب لهم إن أقسموا إذا كان المقتول إنما صالحه بعد ثبوت الجرح عليه بإقرار أو بينة، ويرد عليه ما كان أخذ منه في الصلح، قال: وإن كان الجرح خطأ وكان قد صالحه فيما كان وجب عليه من عقل الجرح ثم نزي في جرحه فمات أقسموا لمات من ذلك الجرح وتمت لهم الدية على العاقلة ويرد على القاتل ما كان غرم بالصلح.
قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أنه خير ولي المقتول في العمد بين التمسك بالصلح أو الرجوع إلى القود ورد ما أخذ بالصلح ولم يخيره في الخطأ إذ من حق القاتل أن يرد إليه ما أخذ منه في الصلح لأن الجرح قد آل إلى النفس ووجبت فيه الدية على العاقلة وهو ظاهر ما في المدونة، وأشهب لا يوجب له الخيار في العمد ولا في الخطأ، وحكى ابن حبيب في الواضحة أن له الخيار في العمد والخطأ، وقد مضى بيان القول في هذا في رسم أسلم من سماع عيسى.

.مسألة تحمل العاقلة مما يبلغ ثلث العقل:

ومن كتاب الأقضية:
وسئل عما تحمل العاقلة مما يبلغ ثلث العقل أذلك إذا بلغ عقل ما جنى الجاني ثلث عقل نفسه، أم ثلث عقل المجني عليه فإنه قد يختلف أحيانا فيكون الجاني رجلا والمجني عليه امرأة وتجني المرأة على الرجل فقلت: إلى ثلث عقل أيهما ينظر؟ أم لا تحمل العاقلة إلا أن تبلغ الجناية ثلث عقل الرجل ولا ينظر في ذلك إلى عقل الجاني والمجني عليه؟ فقال: إنما الأمر فيه أن ينظر إلى عقل المجني عليه إذا كان أحدهما رجلا والآخر امرأة، فإذا بلغت الجناية ثلث عقل المجني عليه حملت ذلك عاقلة الجاني. قلت: أرأيت إن كان المجني عليه مجوسيا أو نصرانيا أو يهوديا فبلغ عقل ما أصابه به المسلم ثلث عقل المجوسي والنصراني واليهودي أتحمل ذلك العاقلة؟ فقال: هذا مما لا تحمله العاقلة قل ما أصاب به المسلم المجوسي أو النصراني أو اليهودي أو كثر بلغ قتله فما دونه.
قلت له: ولم لا تحمل عاقلة المسلم ما جنى على أهل الكتاب ولا مجوسي؟ قال: لأن حالهم في ذلك عندنا كحال العبيد إلا أن دياتهم قد مضت السنة بنصها وفرضها وتسميتها بهم على ما مضى من دياتهم، ولا تحمل عاقلة مسلم أصابهم بقتل فما دونه.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة لابن نافع لا لابن القاسم والله أعلم؛ لأنها في الأصل: وسألت ابن نافع في أولها وقلت لابن نافع في آخرها، وقد قال في أول السماع إنه لابن القاسم وأشهب وابن نافع.
وقوله فيها إن الأمر في ذلك أن ينظر إلى عقل المجني عليه إن كان أحدهما رجلا والآخر امرأة، فإذا بلغت الجناية ثلث ديته حملته عاقلة الجاني هو القول الذي قال به مالك في أول رسم من سماع أشهب وأنكر أن يكون قال إنه إن بلغت الجناية ثلث دية أحدهما حملته عاقلة الجاني، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك وقلنا: إنه كان الأظهر ألا تحمل عاقلة الجاني جنايته إلا أن تبلغ ثلث ديتهما جميعا وبينا الوجه في ذلك فلا معنى لإعادته.
وأما قوله: إنه لا تحمل عاقلة الجاني من المسلمين ما جنى على يهودي أو نصراني أو مجوسي قل ذلك أو كثر لأن أهل ذمتنا بمنزلة عبيدنا، فهو خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها وهو بعيد أيضا إلا أن يتأول على أنه إنما أراد أهل الذمة من أهل العنوة دون أهل الصلح فيصح قوله ويخرج على أحد قولي ابن القاسم في أنهم كالعبيد المأذون لهم في التجارة فلا يحرم تزويج إمائهم، وهو قوله في سماع سحنون عنه، وأما على قوله بأنهم أحرار فالقياس بأن تحمل عاقلة الجاني من المسلمين ما جنى عليهم إذا بلغ ذلك ثلث دية المجني عليه أو الجاني على الاختلاف المذكور إلا أن يقال إنها لا تحمل شيئا من ذلك مراعاة للقول بأنهم عبيد، فيكون لذلك وجه، فتأويل قول ابن نافع هذا على أنه إنما تكلم على أهل الذمة من أهل العنوة أولى من حمله على ما لا يصح وبالله التوفيق.

.مسألة يرمى بقتل الرجل وتقوم عليه بذلك بينة:

قال وسألته عن الرجل يرمى بقتل الرجل وتقوم عليه بذلك بينة أو ثبت عليه لوث تجب به القسامة أو يرميه المقتول بدمه فيأتي المتهم ببينة عدول يشهدون أنه قد كان معهم في اليوم الذي قتل فيه القتيل ببلد ناء بعيد لا يرى أن يبلغ المتهم من ذلك الموضع إلى الموضع الذي قتل فيه القتيل من ليلته ويرجع، فقال: أما إذا رماه بدمه أو لم يثبت عليه إلا لوث وكان الذين شهدوا له أنه كان معهم بمثل الموضع الذي وصفت عدولا فإن ذلك يدرأ عنه القسامة، قال يحيى: ولم يجبني في الذي تقوم البينة عليه بالقتل ومعاينة الضرب.
قال محمد بن رشد: أما التدمية والشبهة التي توجب القسامة فلا اختلاف في سقوطها بالشهادة للمدعى عليه أو المتهم بأنه كان في ذلك اليوم بغير ذلك البلد كما قال في هذه الرواية، ويحتمل أن يكون ابن وهب لأنه كذلك وقع في أصل السماع، ومثله في نوازل سحنون من كتاب الشهادات.
وأما الذي تقوم عليه البينة بالقتل أو معاينة الضرب فالمشهور في المذهب أن ذلك أعمل من شهادة من شهد له أنه كان في ذلك اليوم في ذلك البلد، وهو قول ابن الماجشون وسحنون في نوازله من كتاب الشهادات وقول أصبغ في نوازله منها أيضا، وذهب إسماعيل القاضي إلى أن الشهادة تبطل بذلك، وهو قول محمد بن عبد الحكم يريد والله أعلم إذا كانت مثلها في العدالة أو أعدل منها، وقد مضى الكلام على هذا المعنى مستوفى في الموضعين المذكورين من كتاب الشهادات فلا معنى لإعادته.